في عام 1841 تأسس مجتمع غريب للغاية، يتنافى مع الطبيعة التي فطر الله خلقه عليها، مجتمع لا حدود فيه للعلاقات. جون همفري نويس أسس مجتمعه الذي افترض أنه سيكون مثاليًا بفكرة “الحب الحر”.
نويس أول من جاء بمصطلح “الحب الحر”
والذي أراد تأسيس مملكة ألفية على الأرض تؤمن بممارسة العلاقات الجنسية مع
شركاء متعددين بدون قيود، فيقيم الفرد علاقات غير محدودة، وفي المقابل يجب
أن تكون العلاقة مع الله قائمة على الفردية. ومما آمن به همفري أنه كلما
كانت للشخص علاقات جنسية كثيرة كلما أبعد عن نفسه المرض، لأن الجنس
كالكهرباء، والطاقة الجنسية تعمل كالمعالج والمداوي لأنها تتخلل الجسم
بأكمله. وقد حرّم نويس في مملكته إنجاب الأطفال، واعتقد أن الموت سيختفي
حين يحقق الشخص التوازن الأمثل للطاقة الإلهية من خلال جميع الأجسام في
المجتمع.
أثناء دراسة نويس في جامعة ييل، قدّم
“عقيدة الكمال” والتي يؤمن فيها بأن العودة الثانية للمسيح قد تمت بالفعل
وأن المسيحيين يعيشون في عهد الوفاء وليس عصر النبّوة.
وقد شاع التبشير في البلاد والدعوة لحجز
منزل في الآخرة، لكن نويس كان لديه توجه آخر وهو علاقات لا محدودة بين
الرجال والنساء دون قيد أو شرط، والتي يمكن من خلالها تحقيق العصمة من
الإثم انطلاقًا مما يؤمن به.
وهو ما اعتبرته الدائرة الدينية في ييل
هرطقة، كما وطردت نويس من المدرسة الدينية. عبّر نويس عن أفكاره اللامعقولة
تجاه العلاقات الجنسية دون خجل، أما شقيقه هوراشيو فكان ينظر إليه على أنه
مجنون!
آمن نويس أن لديه مهارات كافية ليكون نبي
الله على الأرض، وحين بدأ بنشر أفكاره في نيويورك لم تكن خيارًا جيدًا له
ففرّ إلى منزل العائلة في بوتني في ولاية فيرمونت، وبدأ عام 1834 بتأسيس
صحيفته “Perfectionism” والتي نشر فيها أفكاره عن الكمال.
بقي نويس عازبًا حتى الثلاثين من عمره،
حيث كان لديه شعور عميق بالعار الاجتماعي، وعدم الكفاية، والرفض النرجسي
لفكرة المنافسة الجنسية أو الفكرية. ولذلك صنع عالمه الخاص حيث لا منافسة
جنسية، ولا فرق بين الجسد والروح.
وبعد 7 سنوات من قدومه إلى بوتني انضمت إليه مجموعة من المؤمنين بأفكاره حيث مارس الطغيان الروحي كممثل للمسيح على الأرض!
آمن نويس بفكرة الزواج المرّكب حيث
العلاقات الجنسية المفتوحة والتي لا حدود لها مع جميع أفراد المجتمع. وقد
اعتُبر الجنس غير الإنجابي هو السر المقدّس لجماعة نويس في كتابه “Bible
Communism”، أما بالنسبة للجنس الإنجابي فكان لا بدّ من اجتماع لجنة تقرّر
أي من النساء عليها أن تنجب الأطفال من أي الرجال!
وفي عام 1847 بدأت الفضائح الجنسية تلاحق
نويس، وقد اعتُقل بتهمة الزنا لكن أُطلق سراحه بكفالة بعد عدة ساعات. لكنه
حين علم أن سكان بوتني أرادوا القصاص منه لفضائحه، فرّ إلى نيويورك، وفي
بقعة تابعة لقبيلة هندية قديمة تُدعى أونيدا أسس مجتمعه الثاني، وبدأ يروّج
لتعاليم كتابه الديني “Bible Communism”.
وقد أسّس بيت الطفل حيث يتم أخذ الأطفال
بعد فطامهم عن أمهاتهم من سن عامين إلى 12 عامًا، فقد آمن المجتمع أن ذلك
سيمنع الأهالي من تفضيل أطفالهم.
وكسابقاتها بدأت الفضائح تدُّب في مجتمع
أونيدا، حيث من المرجّح أنه حصل سفاح الأقارب في ظل انتزاع أطفال من
أمهاتهم وتربيتهم بشكل منعزل ثم تقديمهم للمجتمع. لا نعلم ما الذي أراده
نويس بمنطِقه الأخرق، فقد وضع في كتابه تعاليم أساسية تحرّم الجنس
الإنجابي، ثم تجد أنه أب لعشرة أطفال من أصل 62 طفلًا ولدوا في الفترة ما
بين 1869 – 1879، إضافة إلى أن 50% من الجيل الجديد في أونيدا كانت تسري في
عروقهم دماء نويس!
في صبيحة 22 يونيو عام 1879 كان من
المفترض أن يتم اعتقال نويس بتهمة الاغتصاب، لكنه فرّ إلى الحدود الكندية
وقضى آخر سنوات حياته في شلالات نياجارا، ولم يعد إلى الولايات المتحدة على
الإطلاق. وتوفي في 13 أبريل عام 1886 وهو يردد “ثيودور” اسم أكبر أولاده.
وبعد وفاته حوّل ابن نويس “بييربونت”
الجماعة إلى مجتمع صناعي متخصص بإنتاج الفضة، أما شركة “أونيدا المحدودة”
أصبحت أكبر شركة مصنّعة لأدوات المائدة، ثم تحوّلت إلى شركة مساهمة عامة،
وهكذا تفكك المجتمع ليتم حله، ويذهب بلا عودة.
يُقال أن البدايات دائمًا ما
ترسم النهايات، فالبداية اللامنطقية واللاأخلاقية التي بدأها همفري كان لا
بدّ أن تكون نهايتها الزوال والاندثار بما حاول نشره من أمراض اجتماعية،
وليس لنا إلا أن نقول “الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا وفضلّنا
على كثير من خلقه تفضيلًا”.
الإبتساماتإخفاء